منتدى الفنانة دينا أبو السعود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

"جنينة الأسماك".. أقل أفلام يسري نصر الله فكرياً وفنياً

اذهب الى الأسفل

"جنينة الأسماك".. أقل أفلام يسري نصر الله فكرياً وفنياً Empty "جنينة الأسماك".. أقل أفلام يسري نصر الله فكرياً وفنياً

مُساهمة  كمال سلطان الأحد 20 أبريل 2008, 3:34 pm

"جميل راتب" أستاذ في التحايل علي القانون.. "وعمرو واكد".. طبيب مشبوه
التشخيص والتصوير.. أفضل عناصر الفيلم
صوت "أسمهان" يكرس الرمز الذي يلوح بحالة من الحصار والعجز

"جنينة الأسماك" أكثر أفلام يسري نصر الله تشوشا واضطرابا فكريا. وأقلها تماسكا من حيث البنية الفنية..قدم لنا حكايات ومخاوف حول الواقع الآني. ونماذج بشرية تعيش في إطاره بأكثر طرق الحكي تعقيدا وسفسطة. حتي الناس الذين قدمهم. نماذج خاصة. بمعني ليست سوية. مثل شخصية الأب "جميل راتب" المريض بمرض عضال. ويصر علي أن يأخذ ابنه حقنة مورفين في الوريد حتي يقبل هو شخصيا أن يأخذ مثلها لتسكين آلامه.. لم أفهم والمؤكد أن كثيرين مثلي لم يفهموا دوافع الأب في الزج بابنه الوحيد إلي خطورة الإدمان. أكثر من كونه رجلاً فظاً جدا وبالغ الأنانية.. مع أنه يعشق الورد البلدي. ويتذكر زوجته الراحلة التي زرعته بامتنان.
مشهد الابن الغارق في النوم بعد تعاطي حقنة المورفين إلي جوار سرير ابيه في نفس الحجرة داخل المستشفي يثير خواطر وأسئلة إجابتها ليست مريحة ولن تكون مقنعة. فالأب هنا أب "بيولوجي" فقط. وليس أباً بالمعني الروحي والأدبي والأخلاقي المسئول!
استخدم نصر الله عدة أساليب وحيلاً فنية "لخبطت" المتفرج حتي بعض من يقدرون أعماله ويحترمون أسلوبه الخاص. استخدم "الراوي" والفنتازيا والأسلوب البريختي "نسبة إلي برتولت بريخت الكاتب المسرحي والشاعر والمخرج الألماني" في كسر الإيهام وحيل السينما الصامتة والعرائس والسيرك والأغنية "الحياة لو لعبة" ومع ذلك كله لم يُسلنا أو يؤثر فينا كجمهور عام أو حتي خاص. ولم يجعلنا ننتشي أو نسمو مثلما تفعل غالبا الأفلام الفنية المشبعة لمخرجين كبار أو حتي ليسري نصر الله نفسه "باب الشمس - المدينة. سرقات صيفية".
الرمز .. والمعني
"جنينة الأسماك" أو "حوض الأسماك" حسب اسمه الفرنسي يشير إلي حالة الانغلاق والضيق الذي تعاني منه الكائنات الحية ومثلها البشر. و"جنينة الأسماك" التي استعرض المصور جدرانها الصخرية وتصميماتها الفنية بمغاراتها وكهوفها المخفية تمثل علي مستوي آخر أمكنة تتواري خلفها عشاق أرادوا أن ينعزلوا فلا يراهم أحد في مجتمع مغلق ومحاصر يحرم العلاقات العاطفية المكشوفة انه علي مستوي ثالث مكان يجذب إليه يوسف "عمرو واكد" طبيب التخدير وهو شخصية غريبة أخري شخص متلصص يبتهج بسماع اعترافات مرضاه وهم تحت تأثير البنج. ويتلذذ عندما "يسترق" النظر عبر فتحه في صخور جنينة الأسماك تجعله يراقب المتع الإنسانية المسروقة يساعده عامل في الحديقة يعرف أن لهذه المتعة ثمناً. وأن الناس تأتي فاعلة أو متفرجة طفيلية ويوسف يفضل النوم في سيارته الخاصة. يضع فيها كل أغراضه. ولا يعاني فقرا ماديا. روحيا ربما. شخص مغترب. وبعيد أو بالأحري متباعد لا يقيم علاقة حميمة حتي مع والده ومن أسرة ميسورة أستاذ القانون "جميل راتب" واستاذ أكبر في كيفية التحايل علي القانون واستغلال ثغراته. يشهد علي ذلك واحد من طُلابه أصبح ضابط شرطة تعلم من خلاله كيف يتلاعب بالقوانين وينفذ عبر ثغراتها.. وهذا الأخير شخصية عابرة ظهرت في مشهد واحدة ربما لإلقاء هذه الشهادة حول رجل يرقد بين الحياة والموت ويوسف يحب العلاقات السرية والنشاطات السرية المحرومة. فهو علي علاقة بامرأة متزوجة طلقت مرتين. يتردد عليها للمتعة. وهو طبيب تخدير يعمل ليليا في عيادة خاصة "للترقيع" والإجهاض يملكها طبيب أمراض نساء. يقوم شخصيا بترقيع غشاء البكارة لمن فقدن بكارتهن. وإجهاض من حملن في الحرام. ونفايات عيادته المتخلفة من عملياته هذه تملأ الشوارع الخلفية وتظهر في مشهد دال جدا يشير إلي حجم الحالات التي تتردد عليه يوميا!.
ويوسف بهذه الصفات والمزاج معجب ومتابع جيد لبرنامج "أسرار الليل" أو اعترافات ليلية التي تعده وتقدمه ليلي بكر "هند صبري" التي تمثل الشخصية الرئيسية في الفيلم. وتقدم بقدرة أداء وتلون وامتزاج كامل صورة لامرأة اعتقد أنها تسكن بالفعل بطريقة حية في ذهن كاتب السيناريو "ناصر عبدالرحمن ويسري نصر الله" امرأة ليست منتمية إلا لذاتها. رغم انغماسها المهني في مشكلات الاخرين. انها ليست داخل الحصار المجتمعي وإنما تعيش حصارا من نوع آخر بعيد عن طوابير المعارضة لحركة "كفاية" التي اصطف أعضاؤها علي الأرصفة يحملون اللافتات الرافضة في صمت. تحاصرهم جنود الأمن المركزي بالخوذات والهروات التي تستخدم حين اللزوم. إنها امرأة خارج القطيع الذي رأيناه في الشوارع عند بداية الفيلم. خارج جنينة الأسماك وحوض الأسماك. ميسورة ماديا. تعيش بأقنعة تستبدلها من حين لآخر. لا تطولها انفلونزا الطيور. ولا انفلونزا الجنود الروبوت المحاصرين للمعارضة ولا يخفيها نجاح الإخوان في الانتخابات مثل مرجريت المسيحية إنها زبونة دائمة لصالات الديسكو. وتترك ساقها يعبث بها من تحت المائدة صديقها صاحب النفوذ الذي يلجس برفقة زوجته الغافلة التي لا تتوقع خيانة زوجها وهو أمام عينها وكل عين تندب فيها رصاصة وليلي بكر امرأة ليست متزوجة. وكنموذج تصلح كمحور لفيلم كامل دون اللجوء إلي تفريعات كثيرة لا تصب في المجري الرئيسي للشخصيتين الرئيسيتين "يوسف وليلي".
أم ليلي "منحة البطران سيدة من الزمن الماضي تربت علي قواعد المدرسة الكلاسيكية لنساء الأسر العريقة. لا تبوح بأسرار حياتها الزوجية. وتقدس خصوصيتة العلاقة مع زوجها وماضيها. وتنتقد جيل ابنتها "جيل عنده اسهال كلام. بيدلدق الكلام.. جيل أبيح. تقصد قليل الأدب". البيت والأثاث يعبران عن طبقة ليس لها امتداد.
عنصر التشخيص في فيلم "جنينة الأسماك" من أفضل العناصر إلي جانب عنصر التصوير. فمعظم الشخصيات مرسومة بحساسية ومكتملة الوجود رغم "شذوذها" عن القوالب أو الأنماط العادية للناس. شخصيات متفردة بعاهاتها الخاصة جدا. ومسألة كسر الإيهام والتوجه المتعمد من قبل صناعه لعدم تصديقها والتعامل معها علي أنها مخلوقات من صنع كُتابها لا تنفي وجودها أوصدقها الفني ويوسف وليلي شخصيتان لم يشأ المخرج أن يبعدنا عن تصديقهما. عكس مرجريت مثلا التي تلعب دورها سماح أنور. أو "مروة" التي تعيش علاقة غير متحققة تماما مع يوسف. أو "ألفت" صديقة ليلي التي يباعد أداؤها المفتعل بينها وبين المتلقي وشخصية "التمرجي" الأكثر واقعية التي يعرف جوهر الوظيفة التي يؤديها ويعرف كذلك التناقض المائل التي تنطوي عليه.
من الخواطر التي أثارها الفيلم بالنسبة لي. أن هذه الشخصيات بأطوارها وملامحها البعيدة عن البيعة المألوفة للشخصيات العادية تمثل في رأيي الوجه الآخر النقيض لشخصيات "حين ميسرة" لنفس كاتب السيناريو فالحصار هنا من نوع آخر. ليس الحصار المادي والاجتماعي والأمني. إنها شخصيات ليست عشوائية ولا تعيش في مناطق عشوائية رغم الأمن الذي يكشف عن وجوده في الفيلمين. ولكنها شخصيات تنتمي في معظمها إلي شرائح مستقرة ماديا ونافذة اجتماعيا. وتعيش في حي الزمالك وتمارس مهنة مهمة في أهم مباني العاصمة "ماسبيرو" وتتردد علي أغلي المطاعم وتقود سيارات حديثة وتمتلك وسائل الترفيه. وبمقدورها أن تبدل أماكنها بأخري وأن تستقل بحياتها. وأن تتزوج إن شاءت دون أن تضطر إلي بيع جسدها. والفريقان من وجهة نظر ما يعيشان داخل "حوض" مغلق مصيره المحتوم الإنفجار. وإن كنت لا أري حتمية بالنسبة ليوسف وليلي لأنهما اختارا هذا النوع من الاغتراب ولم يُفرض عليهما.
الاضطراب في عملية التلقي
حالة اللخبطة التي أصابت كثيرين أن المخرج أقحم حكايات كسرت مسار الحكي مثل حكاية "الأميرة والعصفور" أو "الأميرة والحمامة" لأن ما رأيناه في التشخيص ليس عصفورا وإنما حمامة بيضاء والترجمة علي الشاشة أشارت إلي "حمامة". ثم حكاية انفلونزا الطيور ومشاهد عشرات الآلاف من الدجاج في الشارع وحكاية النفاق الاجتماعي وزيف الإدعاء الديني في قصة الرقيبة المحببة التي لعبت دورها باقناع الممثلة "سلوي محمد علي" التي حين ظهرت رافقها صوت الآذان. ويبدو أن الهاجس الديني يمثل أحد المخاوف البارزة بالنسبة للمخرج ظهر بصورة مشابهة وإن بدت أكثر سفورا في فيلمه "مرسيدس".. فظهور الإخوان وسيادة النزعة المحافظة وعدم التسامح أو قبول الآخر كما عبرت مرجريت "سماح أنور" باسلوب هادئ وعقلاني. أيضا انفلونزا الطيور. وأمريكا وإسرائيل والإخوان باعتبار أن الإخوان تمثل حظرا متساويا مع أمريكا وإسرائيل حسب الفيلم وكلها لا تدخل ضمن الهموم الملحة بالنسبة لبطلي الفيلم فالاثنان يمتلكان الفلوس والحرية الشخصية والوظيفة المستقرة هناك شخصيات مقحمة مثل شخصية مهندس الصوت "باسم السمرة" الذي بدا عديم اللون والطعم والرائحة. وشخصية عمرو "أحمد الفيشاوي" الذي بدوره يمكن أن يختفي بلا أثر.
سمير بهزان قدم للفيلم حلولا بصرية مدهشة كمدير تصوير وبالذات في المشاهد الأولي عندما جمع الناس في أكثر من شارع داخل إطار واحد في زاوية من أعلي وبنوع من التحريف فجعلهم يبدون وكأنهم داخل حوض ونحن نراهم عبر زجاج يغير من مقاييسهم ويشوه أشكالهم. فالكادر هنا ليس كأي صورة طبيعية وإنما اخضعها بصريا لتحريف مقصود يلاقي تصور المخرج ويجسد عنوانه الرمزي المختار للفيلم.. نفس المهارات ظهرت في تجسيده لحكاية الأخيرة واستحضاره لحديقة الأسماك من زوايا مختلفة أضفي عليها طابعا اسطوريا مجازيا.
اختيار أغنية أسمهان "يا حبيبي تعالي الحقني شوف اللي جرالي وتكرار "شوف اللي جرالي" فيما يشبه العويل. البداية شدتني جدا وملأتني بالتوقع ومجري الأحداث أعادني إلي فرجة محايدة تحاول الفهم.. صوت أسمهان الفريد المشحون بالوجع في هذا السياق يكرس الرمز الذي يلوح بحالة من الحصار والعجز. لكن الفيلم نفسه لا يمثل الامتداد الطبيعي الصحيح للوعد الذي لوحت به البداية.
الفيلم مغامرة فنية لمخرج لا يكف عن التجريب في مجال الخلق السينمائي. وطموحه لا يعرف الحدود مثل كل فنان أصيل لكن "جنينة الأسماك" لم يلامس الحد الأدني من الوعود التي لوح بها الفيلم.
كمال سلطان
كمال سلطان
رئيس التحرير
رئيس التحرير

ذكر
عدد الرسائل : 221
العمر : 54
الموقع : http://kamalsultan.blogspot.com/
تاريخ التسجيل : 15/02/2008

https://www.facebook.com/group.php?gid=8927383847

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى