"موت فوضوي صدفة"مسرحية لعصرنا

كمال سلطان الأحد 20 أبريل 2008, 3:49 pm

موت فوضوي صدفة" نص مسرحي للإيطالي "داريو فو" يقدمه مسرح الشباب في قاعة يوسف ادريس بمسرح السلام من اخراج الواعد الشاب عادل حسان.
تأتي أهمية هذا النص لعدة أسباب. وعي المخرج في اختياره وصعوبته في نفس الوقت ولأهمية مسرح هذا الكاتب الذي يغوص في "الضمير المجتمعي" حيث أحد ملامح شخصيته انه ثائر وثوري ومناهض هذا بالاضافة إلي انه ليس كاتبا مسرحيا فذا فقط ولكن لأنه مخرج وممثل ومصور ومفكر وربما فيلسوف وشأنه مثل كل الكتاب الجادين فقد كان مهموما أو مشغولا باشكالية الكفاح ومناهضة الظلم في كل مكان في العالم وليس بصورة فيها خصوصية وإنما "بضمير جمعي" ضد الظلم والقهر في كل مكان لذلك كانت قضيته المحورية "الحرية والعدالة الاجتماعية" وكراهيته لكل صور الاستعمار فكان يبغض الديكتاتورية والرأسمالية والصهيونية وكان يؤمن بأهمية تحرير الإنسان من اعداء الإنسانية ويرجع الفضل في تشكيل عقد ووجدان و"الذاكرة الابداعية" لداريو فو نشأته البرجوازية ثم الانتماء للفكر اليساري ثم اشتراكه في الحزبين الشيوعي والاشتراكي الايطالي وهنا كان موقفه السياسي واضح من خلال ايدولوجية أكثر وضوحا وهنا فهذا الكاتب كان يمثل منظومة تبدو رائعة كمنتج ومخرج وممثل ويأتي صراعه الداخلي والخارجي لكونه يمثل مؤسسة كاملة مع انتمائه للطبقة الكادحة وعمله من منظور القطاع الخاص.
هنا تأتي أهمية "داريو فو" وأهمية ووعي عادل حسان في اختيار نص مسرحي يمثل قيمة شديدة الإنسانية وتهم قطاعا عريضا من المجتمع البشري في العالم.
هذه جوانب قليلة في شخصية الكاتب الايطالي داريو فو سقناها قدر المستطاع لابراز أهمية الاختيار وأهمية الوعي الإنتاجي لأعمال ذات طبيعة خاصة والنص من النصوص الصعبة للكاتب والمناهضة لكل صور الظلم والقهر والاعتماد علي فكرة الهجاء الملحمي التحريضي في وعاء كوميدي ساخر مع الحيل الشكلية المسرحية التي تعتمد علي صور التنكر كما هو الحال في "موت فوضوي صدفة" ولكراهية الكاتب لأمريكا فقد استقي أو استلهم مسرحيته من حادثة وقعت في الولايات المتحدة الأمريكية وإلي الشخصية المحورية الأشبه بالحية وقدرتها علي التلوث وتأخذ صورة "الأبله" حيث بطل المسرحية يقدم صورا متعددة للتنكر وقعت احداث هذه المسرحية كجريمة في أمريكا عام 1921 فقد ألقي فوضوي اسمه "سالزيدو" وهو مهاجر من أصل ايطالي بنفسه من الطابق الرابع عشر من مقر قيادة الشرطة المركزية في نيويورك وقيدت علي انها قضية انتحار والناظر لأسماء شخصيات المسرحية.
المفتش ورئيس الشرطة والأبله وآخرين يجد إلي أي مدي كانت النتيجة ابراز الخطاب المنوط به دراميا في تأكيد ماهية القهر موضوعا وعبثيته شكلا بأسلوبية الضحك والسخرية المميتة وهنا لا تبدأ المسرحية بموت فوضوي ولا تنتهي بتحقيق قضائي.. من هذا المفهوم التقط الخيط مخرج العرض عادل حسان مع الأشعار التوضيحية والدرامية ليسري حسان ولأن العرض كبير ومكانه قاعة صغيرة فقد نجح عادل في احتواء النص دون اهداره كخطاب فكري وكصورة مسرحية من خلال سيتوغرافيا للمتميز صبحي السيد فلعب تمثيلا علي الجانبين كدلالات لكل الأشياء التي تبرز مكان الحدث بما في ذلك فضاء القاعة فكانت القاعة رغم صغرها تحتوي الحدث وتضج بالحركة.
تأتي الحان وموسيقي احمد الحناوي "مروعة ورائعة" من حيث التصوير والتأثير والجماليات.
اجتمع للعمل نخبة منتقاة من الممثلين "أشرف فاروق" في شخصية الفوضوي الأبله والمتنكر وهو يجيد الأدوار الصعبة والمركبة ويؤديها بتميز أداء وتعبير وحركة وكذلك كمال عطية في شخصية "ديلي" وتنوع بين الجاد والكوميدي وفي كليهما كان متميزا وسمية الإمام في شخصية الصحفية كانت ناطقة بلسان الشخصية الابعاد والتعبير واتمني أن أراها في أعمال كثيرة فهي ممثلة جيدة والجاد "باتع خليل" جوفاني المحقق فكان مختلفا والضاحك سيد الفيومي رئيس الشرطة ولا يخلو الأداء من الحث الكوميدي النظيف ومصطفي الدوكي ومحمد سمير في أدوار الشرطي وأداء يشي بالجدية والاهتمام.
"موت فوضوي صدفة" تطرح سؤالا هاما هل من الممكن اعادة اكتشاف مسرح "داريو فو" وهو مسرح مناهض للظلم والقهر كما هو ايضا مناهض لتعنت وصلف حكام أمريكا علي تعاقبهم.. كتب فو أكثر من أربعين مسرحية مناهضة وصدامية ومحرضة ولكن بصورة ايجابية نبيلة.. نحن ننتظر أعمال هذا الكاتب علي المسرح المصري!!